الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: حراسة الفضيلة **
على الوجوه: قال الله تعالى: وقد خصَّ الله سبحانه في هذه الآية بالذكر أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبناته؛ لشرفهن ولأنهن آكد في حقه من غيرهن لقربهن منه، والله تعالى يقول: والأدلة من هذه الآية على أن المراد بها ستر الوجه وتغطيته من وجوه، هي: وهو: اللباس الواسع الذي يغطي جميع البدن، وهو بمعنى: الملاءة والعباءة، فتلبسه المرأة فوق ثيابها من أعلى رأسها مُدنية ومرخية له على وجهها وسائر جسدها، وما على جسدها من زينة مكتسبة، ممتدًا إلى ستر قدميها . فثبت بهذا حجب الوجه بالجلباب كسائر البدن لغةً وشرعًا . مراد؛ لأن الذي كان يبدو من بعض النساء في الجاهلية هو: الوجه، فأمر الله نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين بستره وتغطيته، بإدناء الجلباب عليه، لأن الإدناء عُدِّي بحرف على، وهو دال على تضمن معنى الإرخاء، والإرخاء لا يكون إلا من أعلى، فهو هنا من فوق الرءوس على الوجوه والأبدان. وما عليه من الثياب المكتسبة ـ الزينة المكتسبة ـ هو الذي فهمه نساء الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: لما نزلت هذه الآية وعن عائشة رضي الله عنها قالت : رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت: وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله والاعتجار: هو الاختمار، فمعنى: فاعتجرن بها، واختمرن بها: أي غطين وجوههن. وعن أم عطية ـ رضي الله عنها ـ قالت: (أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، والـحُيَّض، وذوات الخدور، أمَّـا الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) متفق على صحته . وهذا صريح في منع المرأة من بروزها أمام الأجانب بدون الجلباب، والله أعلم. وعلى هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين ـ رضي الله عن الجميع ـ بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أن في قوله تعالى: {قل لأزواجك} [الأحزاب: 59]. وجوب حجب أزواجه (وستر وجوههن، لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين، وفي هذه الآية ذكر أزواجه ـ رضي الله عنهن ـ مع بناته ونساء المؤمنين، وهو ظاهر الدلالة على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب على جميع المؤمنات. [الأحزاب: 59]. راجع إلى الإدناء، المفهوم من قوله: {يدنين} [الأحزاب: 59]. وهو حكم بالأولى على وجوب ستر الوجه؛ لأن ستره علامة على معرفة العفيفات فلا يؤذين، فهذه الآية نص على ستر الوجه وتغطيته، ولأن من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها المغلظة، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعريض لها بالأذى من السفهاء، فدل هذا على التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب، وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الرّي والخنا، وحتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين. ومعلوم أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبه مرض، وكّـفَّت عنها الأعين الخائنة، بخلاف المتبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنها مطموع فيها . واعلم أن الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات، يقتضي ـ كما تقدم في صفة لبسه ـ أن يكون الجلباب على الرأس لا على الكتفين، ويقتضي أن لا يكون الجلباب ـ العباءة ـ زينة في نفسه، ولا مضافًا إليه ما يزينه من نقش أو تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه، وإلا كان نقضًا لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة وتغطيتها عن عيون الأجانب عنها. ولا تغتر المسلمة بالمترجلات اللاتي يتلذذن بمعاكسة الرجال لهن، وجلب الأنظار إليهن، اللائي يُـعْلنَّ بفعلهن تعدادهن في المتبرجات السافرات، ويعدلن عن أن يكن مصابيح البيوت العفيفات التقيات النقيات الشريفات الطيبات، ثبّت الله نساء المؤمنين على العفة وأسبابها .
|